الوسيط في فلسفة القانون

الوسيط في فلسفة القانون

الوسيط في فلسفة القانون

الوسيط في فلسفة القانون

المقدمة

الوسيط في فلسفة القانون
لـم يشـغل الفقـه بمـوضـوع مثلمـا شغله موضوع الدولة، فالدولة بكينونتهـا وهيكليتهـا ونشأتها وتأسيساتها وتفرعاتها موضوعات شـغلت الفلاسفة والفقه منذ قرون من الزمن ولمـا تـزل. فعلم الدولة وبالرغم من التطور الكبير الذي شهده إلا أنه لا يزال موضـوع بـكـر قابل للنقـاش والإفاضة والإضافة والإهمال والتأكيـد والتراجع. فنظم الحكـم فـي تـطـور مستمر والعقل الإنساني لا يقف إبداعه عند حد بعينه كما طموحه، فالصغير من الدول يرغب في أن يكبر والكبير يسعى لمزيـد مـن التوسع، والضعيف يرتمي في أحضان القوي من أجل الاستمرار والقوي يسعى جاهدا لاحتواء الضعيف لا رغبة فيه وتعاطفاً معه لكن بقصد التسيد والتصدي والتصدر، فالحركة ولود والسكون عاقر. والقناعة بالقائم وما حققته الدولة يعني فسح المجال للآخر للتقدم، فكل تقدم يرافق بالضرورة تراجـع كونه يحدث على حساب الآخر. وإلا فلا معنى للتسابق المحمـوم مـن أجـل تطـوير الصناعة العسكرية والمدنية على حد سواء، فمثلما تعمل الآلية العسكرية وتواصل الليل بالنهار، يخرج العاملون في الحقل المدني متبجحين بابتكاراتهم وعلى الآخر اللحاق بركبهم أو التنـاض معهم. فوفقاً للمزيد من الابتكار ونوعه وجنسه تتحدد مكانة الدولة ومن يلحق بها. ويقينا أن الحروب البينية والكونية لـم يكـن هاجسها الحـرب بـذاتها وإشباع غريزة القتل والسبي وانتهـاك الحرمات وإن كانت هذه الهواجس لا تغادر بعض من أبتلي بداء السلطة، وفي كل الأحوال تأتي هذه الهواجس تاليـة في المرتبة بعـد حـب التصدر.
فحب الذات وغريزة التملك والحرص على التوسع ولو على حساب الآخرين وهو كذلك غالباً. رغائب رافقت الحاكم والقابض على السلطة ومن أجلها أريقت الدماء وأهدرت الأموال وانتهكت الحرمات. والملاحظ أن علم الدولة كمـا الدستور لـم يطرأ عليه الكثير من التطور بعد انتهاء الفلاسفة والمؤسسون من وضع لمساته الرئيسية التي حددت ملامحه وراحت كل التطويرات الجزئية تدور في فلكه، فمبدأ الفصل بين السلطات القائم اليوم والذي شغل ولمـا يـزل الفقه، يعود إلى أفلاطـون وأرسطو وعلى بنائهما التأسيسي شيد روسو ومونتسكيو أفكارهم في هذه الجزئية ولما يزل الفقه المعاصر يدور في فلكهم فعنصر التمييز بين النظم الدستوري المعاصرة السائدة تنهض على درجة التعاون والرقابـة بـين السلطات بلحاظ أن الفصل الوظيفي بين السلطات ضرب من ضروب الخيال، فهذا المبدأ ما وجد ولا تضر له الفلاسفة بقصد تشظية الدولة وتفتيتها ولكـن بغايـة حمـايـة الفـرد مـن تفرد السلطة، فالفرد غايـة الدولة وأدائها ووسيلتها، وعلى أساس هذا المبدأ يجري التمييز بين الديمقراطي والفردي والشعبي والشمولي والحر والمفيد.
ومد ولدت الدولة كيانا مستقلا والشكل البسيط الموحد هو الذي تسيد في بنانها، لكن التطور والضرورة والواقع أفرز شكل آخر تجسد بالاتحادية، فاتحادية التركيب لـيـس تـرف فكري أو نتاج تنضيرات الفلاسفة أو مجرد رغبـة فـي إيـجـاد نمـوذج قبـال الدولة الموحدة. فالرغبـة فـي حشـد الجهـد والإمكانيات بقصد مواجهة التحدي الأمني وإيجـاد كـيـان نضير أخـر وقـف وراء الشكل الفيدرالي للدولة، وبمرور الزمن راحت أسباب تبنـي هـذا الاتحاد تتنوع مرة بداعي اقتصادي وأخرى رغبة في تجاوز سلبيات التعدد القومي والتنوع الطائفي. وجمعت الفيدرالية الشعوب التي تدين بـديانات مختلفة تحت مظلة دولة واحدة وبغير الفيدراليـة لـم يكن لهذه الديانات أن تجتمع، ويقينـا أن الفيدرالية وسيلة مثلى لإدارة الدول الكبيرة مترامية الأطراف فسعة المساحة وتنوع امتداداتها حافز أخر لتبني الفيدرالي إذ تضعف سيطرة الدولة الموحـدة فـي الـدول ذات الكتلة السكانية الكبيرة والمساحات الواسعة.
وفرض الواقع الاتحاد الشخصي الية لاجتماع الدول حكما لا هيكلاً ووقفت الرغبة في تنسيق الجهد الخارجي والتعاون الدولي من أجل مواجهة التحديات الخارجية وراء ابتكار الاتحاديين الحقيقي والكونفيدرالي.
وبالرغم من أن نظم الحكم لا تخرج عن كونها ملكية أو جمهورية لكن العبرة ليست في هذه الهيكلية بقدر ما يدور في فلكها، فقد ساد الاعتقاد ان هنـاك تـلازم بـين ديمقراطية النظام السياسي وكونه جمهـوري، ودكتاتوريته وكونه ملكي وراثي وانطلاقاً من هذا الفهم حدث الانقلاب السلطوي فراحت الشعوب تنقلب على وراثية السلطة معتقدة أن النظام الجمهوري هو جسر العبور صوب ضفة الديمقراطية وأثبت الواقع خطا هذا التصور وكذبته. فمقياس ديمقراطية نظام الحكم وشموليته أثبت أن نسبة ديمقراطية نظم الحكم الملكية أكثر من نظم الحكم الجمهورية، فاستبداد النظم
الملكية أضحت من الماضي بخلاف النظم الجمهورية التي لا يزال الحديث يدور حول شموليتها وفرديتها. ويقيناً أن علة الشمولية لا تكمن في شخص الملك والرئيس ولكـن فـي غريزة الاستمرار والديمومة والحرص على المحافظة على القائم ونقله هادئاً إلى الخلف. فالرئيس في النظام الجمهوري
يعتلي سدة السلطة مدة محددة يغادرها بعد استنفاذها أحسن أو أساء، وربما يكرم الناجح بتجديد ولايته فترة ثانية، ومعاقبة من اخفق باستبداله بغيره مع انتهاء ولايته الأولى. في الوقت الذي يمكث فيه الملك في سدة العـرش مـدى الحياة أو حيث كان قادر على العطاء وبعد وفاته أو عجزه النهائي عن إدارة الدولة يتولى خلفه العـرش مـن هنـا يحرص النظـام الـوراثي على مراعاة المعايير الديمقراطية في حكمه ليس إيماناً ولكن رغبة في استقرار حكمه ونقله هادنا غير مضطرب لسلفه.
وللخروج من ويلات الحكم الفردي الاستبدادي اهتدى العقل البشري للانتخاب الية لنقل السلطة بعد أن تبين أن الحكم الشعبي المباشر أمـر شـبه مستحيل إن لم يكن مستحيل فعلاً، فلم يكن حكم الشعب لنفسه أداة للتبجح والتفاخر ولكن وسيلة لتحقيق ديمقراطية الحكم وحيث أن إنجاز هذه المهمة بصورتها المثالية أمر محال بالآليات التي أوجدتها الديمقراطية المباشرة، ابتكرت الديمقراطية غير المباشرة (التمثيلية) بديل عملي أثبت الواقع نجاحه.
ويقينا أن للديمقراطية التمثيلية أدوات ووسائل ومقومات بغيرها لا تنهض بصورتها المثالية، وتعد الأحزاب السياسية واحدة من أبرز مقوماتها فضلاً عن المهام الأخرى التي يضطلع بها هذا التشكيل فهو من أبرز أدوات روسائل مواجهة الاستبداد السلطوي من هنا سعت ولما تزل النظم الشمولية جاهدة لمواجهة هذا التحدي وجرمته وغلظـت عليـه الجزاء بلحاظ وصفه الجريمة الأكثر تهديداً لأمن الدولة واستقرارها. وهـي فـي ذلـك مـحقـة ولكن ليس بوصف الحـزب خطر على أمن الدولة ولكـن علـى أمـن الـحـاكم واستبداده، وهو ما يفسر التلازم الحتمي بين فاعلية الأحزاب السياسية وديمقراطية نظم الحكم وانعدامها أو فرديتها وفردية الحاكم، وتأكيدا لفاعلية دور الحزب في النظم المعاصرة والسعي لتحقيق الانسجام والتوافق بينه وبين البيئة العامل في ظلـهـا تـعـددت نماذجـه وتنوعت أشكاله دون تفضـيل لنموذج على آخر، ففي الوقت الذي تبنـت فيـه بريطانيا والولايات المتحـدة نموذج الثنائية الحزبية وهي دول توصف بالديمقراطية، تبنت ألمانيا وإيطاليا وفرنسا نظام التعددية الحزبيـة وهـي دول ليست أقـل ديمقراطيـة مـن دول النموذج الأول. وراح نموذج الحزب القائد في بعض الدول وسيلة لاحتـواء الأحزاب الضعيفة وفي كثير من الأحيـان أداة للتوريـة علـى نظـام الحـزب الواحـد الـذي فيـه تتجسد دكتاتوريـة الـحـكـم. ففرديـة الحـزب التي تلازمـت وفردية السلطة لم تكن بلحاظ العزوف عن التأسيس أو الانضمام إليـه ولكـن
لأن نظام الحكم حرم التعددية والتنوع وجرم مجرد التفكير بتشييدها.
ومنذ ولدت فكرة الأحزاب السياسية وإطارهـا العـام واحـد وهياكلهـا البنيوية لا يخرج عن الثنائية والتعددية والقيادة، وهدفها القريب أو البعيـد السلطة قيادة أو مشاركة. أما الحزب الواحـد فـهـو لـيـس مـن عائلـة الأحـزاب الساعي لتوحيد الجهد وتقريب المتباعد وتوجيه الحدث وحشد الجمهـور مـن أجل اعتلاء السلطة أو المشاركة فيها، لكنه هو السلطة بـل هـو أداة تكريس دكتاتورية السلطة.

فالحزب الواحـد هـو أحـد أبـرز أدوات الاستبداد لا فـرق
بينه وبين الأجهزة الأمنية القمعية التي يضرب بها الدكتاتور مناوئيه، بلحاظ أن هذا النوع من الأحزاب يمارس ذات الدور الذي تمارسه الأجهزة الأمنية القمعية في الوشاية ونقل المعلومة وتنفيذ أوامر القبض.من هنا لا يحمـل هـذا النوع من الأحزاب من صفات الحزب شيء سوى الاسـم وفـي ذلـك تجنـي على الأحزاب.

الوسيط في فلسفة القانون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى